medicalirishcannabis.info
ما تفوتنيش أنا وحدي سيد مكاوي - YouTube
رقص الباب بزهوه، فرحة بالعرسان وفرحته بنفسه، بصباه، بلمعانه وبالحبّ "الدّاشر ع طراف الدّني" وكانت يومها "الدّني زغيري قدّ الكفّ"، وكان الفرح عظيماً. كان للباب الأخضر حديقة صغيرة، مزروعة بندورة وفول تفيّيها بضع زيتونات. تنزل اليها العروس وقد صارت زوجة وأمّاً لولدين لقطافها في الصّباح الباكر، تنفض النّدى عن ورقة البندورة الخضراء "فتفحّ" رائحتها و "تشقّ القلب"، تعبّي سلّة كبيرة لأنّها تنتظر زيارة من أهلها، قاطعين المعابر والقصف ليروا الأولاد. يفرح الباب عندما يأتي أهل العروس، يقطفون الزّيتون في الصّباح، يأتيهم صهرهم باللحوم الّنيئة والخبز المرقوق "ليسندوا قلبهم" في الحديقة، وفي اللّيل، يتجمّعون على "كركة" مبتكرة من أوعية نحاسيّة قديمة ليصنعوا عرقاً بلديّاً وذكريات. يأتي الجيران، موظّف البلديّة يحوّل المياه بسريّة تامّة نحو البيت لزوم تبريد "الكركة" الدّائم، تتزيّن سفرة الحرب بكلّ ما هو مقطوف حديثاً، خيار وبندورة وزيتون ولبنة بلديّة ونعنع أخضر. يغنّي الجميع في السّهرة ويخبرون قصصاً عن بيروت والجيران، من مات ومن نجا، عن "الحيّ الباقي" وعن "الباقي بالحيّ"، ويسمع الولدان قصّة "أبو الخيمة الزّرقا" ولا يفهمانها.
هذه قصّة بسيطة لا معنى لها. النّاس فيها غير حقيقيّين، أم كانوا حقيقيّين في يوم ما، أم لم يكونوا، فذلك أيضاً لا معنى له. هذه قصّة باب أخضر كان له بيت، أو بيت كانت له عائلة، أو عائلة كان لها حبّ عظيم، أو فقط قصّة باب أخضر كان له ما يشتهي، كان له بيت وعائلة. للباب الأخضر شبابيك على شكل ستّ زهرات بشكل هندسيّ جميل ورائها "منخل" لمنع الحشرات من ازعاج سكّانه في ليالي الصّيف، يصيح جدّ سكنه قديماً بأحفاده كلّما نسي أحدهم أن يقفله جيّداً، لا يزعل الأحفاد، فالجد لطالما كانت "عينه ضيّقة"، لكنّه كان حنوناً. كان يأخذ أحفاده لشراء "البوظة" في القرية المجاورة ولقطاف السّماق والتّوت. كان أيضاً للباب حصّته من الأفراح، يذكر الباب ببسمة كيف عندما كان جديداً لامعاً، جاءته عروس صبيّة من بيروت في زمن حرب وضرب، هربت مع حبيبها "خطيفة" لتتزوّجه في كنيسة القرية رغماً عن أنف الأحداث، رقص المدعوون ودبكوا حتّى طلوع الفجر على "السّطيحة"، رغماً عن أنف الحسّاد، سرقوا فرحتهم من فم الغول، أكلوا الكبّة والتّبولة وشربوا محيطاً من العرق البلدي الممتاز كالعجيبة الأولى. كانت هديّة الباب يومها عجينة رطبة، بركة العرس يقال لها، ترمز للبركة التي تأتي مع العروس الجديدة، تُلزق عليها القروش لتدلّ على البحبوحة المرجوّة حتّى في أحلك أيّام الحرب.