medicalirishcannabis.info
إذا ثبت هذا فنقول: إنه سبحانه وتعالى لما قصد إلى التكوين وكان الغرض منه تكميل الناقصين ؛ لأن الممكنات قابلة للوجود وصفة الوجود صفة كمال فاقتضت قدرة الله تعالى على التكميل وضع مائدة الكمال للممكنات فأجلس على المائدة بعض المعدومات دون البعض لأسباب: أحدها: أن المعدومات غير متناهية فلو أجلس الكل على مائدة الوجود لدخل ما لا نهاية له في [ ص: 29] الوجود. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة طه - قوله تعالى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري - الجزء رقم9. وثانيها: أنه لو أوجد الكل لما بقي بعد ذلك قادرا على الإيجاد لأن إيجاد الموجود محال ، فكان ذلك وإن كان كمالا للناقص لكنه يقتضي نقصان الكامل فإنه ينقلب القادر من القدرة إلى العجز. وثالثها: أنه لو دخل الكل في الوجود لما بقي فيه تمييز فلا يتميز القادر على الموجب ، والقدرة كمال والإيجاب بالطبع نقصان ، فلهذه الأسباب أخرج بعض الممكنات إلى الوجود فإن قيل عليه سؤالان: أحدهما: أن الموجودات متناهية والمعدومات غير متناهية ولا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي ، فتكون أيضا الضيافة ضيافة للأقل ، وأما الحرمان فإنه عدد لما لا نهاية له ، وهذا لا يكون وجودا. الثاني: أن البعض الذي خصه بهذه الضيافة إن كان لاستحقاق حصل فيه دون غيره فذلك الاستحقاق ممن حصل ؟ وإن كان لا لهذا الاستحقاق كان ذلك عبثا وهو محال كما قيل: يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما وإنه لا يليق بأكرم الأكرمين.
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى} فقد استجاب الله طلبك، وجعل هارون وزيراً لك من موقع المسؤولية، وشريكاً في أمرك في خط النبوة.. النبوة.. والضعف البشري وقد نلاحظ في هذه القصة، أن النبوة لا تتنافى مع الضعف البشري الذي قد يعيشه النبي ويعترف به، فيطلب إلى الله أن يقويه بإنسان آخر عليه، لأداء مهمته كما ينبغي، ما يوحي بأن الجانب الغيبي لا يتدخل في تضخيم شخصية النبي على حساب بشريته العادية، بل يترك المسألة للطبيعة البشرية لتتكامل بطريقة عادية. القران الكريم |قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وهذا ما قد يحتاج إلى مزيد من الدراسة في ما يطلقه علماء الكلام حول صفات النبي، بأن يكون أعلم الناس وأشجعهم وأكملهم في المطلق. فإن تأكيد القرآن على نقاط الضعف في شخصية الأنبياء، لا سيما في شخصية موسى(ع) قد توحي بما لا يتفق مع ذلك.
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُواْ قَوْلِي} فقد كان يعيش حبساً في لسانه بحيث يمنعه من الطلاقة التي تفصح الكلمة، بحيث يفهم الناس ما يريد أن يقوله، لأن الرسالة تتصل بطريقته في التعبير عنها. وتلك هي مشكلته التي أراد العون من الله على تجاوزها وتسهيل صعوباتها، في ما يريد أن يمارسه من جهد ذاتي، {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} لأن المهمة تحتاج إلى جهد آخر يشترك مع جهده في الدعوة والحركة والانطلاق، ليعاون أحدهما الآخر في ما يمكن أن يواجههما من مشاكل وقضايا وصعوبات، خصوصاً في جانب الدعوة التي تتطلب طبيعة خاصة للكلمة والمنهج والأسلوب، حيث يتمتع هارون بمميزات جيدة، لأن لسانه أفصح من لسان موسى، كما جاء في سورة أخرى. وتلك هي الروح المتواضعة الجادة التي تدرس حجم المسؤولية وحجم إمكاناتها، فإذا رأت بعضاً من الخلل الذي قد يصيب المسؤولية أمام ضعف الإمكانات، فإنها لا تتعقد ولا تهرب من الواقع، لتلجأ إلى الذات في عملية استغراق في الإيحاء بالقدرة الشاملة غير الموجودة لينعكس ذلك سلباً على حركة الموقف العملي، بل تعمل على أن تستكمل القوة من جانب آخر، لمصلحة العمل المسؤول.
لذلك دعا موسى بهذا الدعاء: { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] ليوفر قوته لأداء هذه المهمة الصعبة التي تحتاج إلى مجهود يناسبها، ومعنى ذلك أنه انقبض صدره من لقاء فرعون للأسباب الذي ذُكِرت. ثم قال: { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي}
ولكن هذا الوحي الإلهي قد خلق عندها نوعاً من الطمأنينة النفسية، تماماً كما يحدث للإنسان عندما يخضع لفكرة معينة بشكل لاشعوري، فيستسلم من دون أن يعرف لماذا حدث ذلك، وكيف تحرك في هذا الاتجاه. وهكذا كانت أم موسى واقعة تحت تأثير هذا الهاجس الروحي الذي صوّر لها المسألة بتفاصيلها المحتملة التي تؤدي إلى الشعور بالأمان في ما يمكن أن يتطور إليه أمر ولدها موسى باتجاه الأمان، الذي يوحي به القرآن.. موسى(ع) في بيت فرعون {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} فقد أبصره فرعون، وأمر خدمه أن يأتوا به إليه عندما وقف التابوت في زاوية من الشاطىء. وما إن أبصره حتى وقع حبه في قلبه، وبدأ الاستعداد لتدبير من يكفله ويحضنه ويرعاه ويربيه. قال رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل. {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي ليكون صنع شخصيتك، ونموّ تربيتك، وحركة حياتك تحت رعاية الله، وبعينه التي تلاحقه في كل أجواء طفولته الأولى، في ما أوحى به إلى أمه من تدابير الإنقاذ، وما أودعه من محبة له في قلب فرعون الذي لم يعرف قلبه الحب للطفولة البائسة المعذبة في شعبه، وفي ما يدبره له من رجوع كريم إلى أمه من جديد. {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} فتدخل إلى بيت فرعون كإنسانة عادية لا علاقة لها بالصبي، فتجد القوم مشغولين به، متسائلين عن المرأة الصالحة لرعايته وكفالته، فتستفيد من هذه الحالة الحائرة لتوجيه الاهتمام إلى أمه، باعتبارها الإنسانة القادرة على إرضاعه والعناية به.. ، {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ} قالتها، بكل عفوية، لتوحي إليهم بأن المسألة لا تعدو أن تكون مجرد اقتراح بريء.