medicalirishcannabis.info
فباريس مدينة المقاهي بامتياز، والمقهى بباريس ليس فقط معلما من معالمها الجمالية، بل هو تراثها الثقافي وملتقى مدارسها الأدبية والفنية، على هذا الاعتبار سميت بيروت باريس الشرق. قطعت الحرب الأهلية اللبنانية مشروع تطوير المقاهي، واستعاض الناس باللقاءات داخل الملاجئ وعلى سلم العمارات كما يرد في كتاب الدويهي، فاغلقت الكثير من المقاهي وحلت بدلها المتاريس والخرائب. مقاهي شيشة الرياضة. وربما كانت المقاهي التي احتدمت فيها النقاشات السياسية، واحدة من أسباب تلك الحرب، مثلما اصبحت الآن دليلا على استعادة بيروت عافيتها. ويبقى درس المقهى موضع اهتمام الكثير من الباحثين في البلاد العربية، فظهرت الكثير من الدراسات الحديثة التي تدور حول المقهى والمدينة، وتجمع السوسيولوجيا إلى التأرخة او إلى الانثربولوجيا الوصفية وقد بدأها المستشرقون في وقت مبكر وتولى أمرها في العقود المنصرمة الكُتاب العرب. ومن مقهى نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وصولاً إلى الروائيين المعاصرين، كانت القاهرة رائدة في الربط بين الأدب المكتوب والأدب المعاش على أرصفة الحياة.
أما المقاهي الشعبية التي يفضلها بعض الأدباء حسبما يذكر المؤلف، فهي مقهى أبو عفيف والباريزيانا في ساحة البرج، ومقهى فاروق ومقهى الزجاج، فهناك يتحلقون حول طاولة الأدب، ويختبرون قصائدهم الجديدة ضمن شلة الأصدقاء، وهكذا كان يفعل الأخطل الصغير وأمين نخلة ومحمد شعيب العاملي، وأحمد الصافي النجفي، ومحمد مهدي الجواهري حين كان يمر ببيروت، ورئيف خوري وغيرهم. كان هذا الرعيل يفضل المقاهي الشعبية، في حين تفضل جماعة مجلة شعر والموجات الجديدة في المسرح والتشكيل المقاهي الحديثة. جريدة الرياض | «مقاهي بيروت الشعبية» لشوقي الدويهي .. دراسة في المكان العابر والمستقر. ويروي المؤلف نقلاً عن الشاعر شوقي ابو شقرا، كيف كان صاحب «الهورس شو» يطلب من شلة الأدباء جلب الأديبات معهم كي يتخلى المقهى عن طابعه الرجولي، ولتشجيع النساء على ارتياد مقهاه، كان لا يطلب من الفتيات ثمن الشاي او القهوة. تلك حكاية من حكايات كثيرة لمقاهي بيروت الأدبية والفنية، وهي مالم يمنحه المؤلف فرصة تستحق الكثير، فبيروت المقهى، هي بيروت ثقافة الانفتاح على الفضاء الخارجي للناس، المكان والمطرح الانساني والاجتماعي الذي يتعالق مع مناخها المعتدل، وبحث اناسها عن لقاءات الصداقة وتبادل الأخبار، وهو في النهاية يتماشى مع بُعد ثقافتها الفرنسية،.
المقهى ببيروت قديم، شأنه شأن مقاهي المدن العربية الأخرى وبينها القاهرة ودمشق وبغداد، ويعود إلى تقليد عثماني نشأ في القرن التاسع عشر وتطور شعبيا مطلع العشرين، حتى غدا لكل حي مقهاه، ومثله لكل طائفة وحرفة أو اختصاص ثقافي أو اجتماعي. جريدة الرياض | المقاهي والعمق الإنساني لِلْمُدن. وكتاب الدويهي يربط المقهى بالساحة، فالساحة كما يسميها المؤلف «عتبة المدينة» التي يتخطى عبرها الزائر المدن الأخرى إلى بيروت العاصمة، وهي القلب الذي تنتظم حوله تبدلات المدينة وايقاعها الداخلي. يشير المؤلف إلى ما يسميه «السياسية المدينية» التي اعتمدها الانتداب الفرنسي وأثرها في نشوء المقاهي الجديدة ببيروت، فهذه السياسة هي التي جعلت الساحات معالم حضارية، فبعدما كان النسيج العمراني متداخلا على نحو حميمي إلى نهاية القرن التاسع عشر، أصبحت الساحة مركزا تتفرع عنه أبنية مجتمعية وأنشطة اقتصادية. على هذا تصبح ساحة البرج أول الساحات التي تمايزت بهذا النوع من النشاطات وتليها ساحة رياض الصلح والدباس. يربط المؤلف بين التطورات في الحياة الاجتماعية وتبدل وظائف المراكز، فقد استبدل سبيل الماء الحميدي في مركز الساحة بتماثيل ونصب الشخصيات السياسية اللبنانية، ما يشير إلى تبدل في الهوية الوطنية.