medicalirishcannabis.info
(3) امتلاك القوة لكنه لم يكتف بهذا، بل نفذ إلى رؤوس قبائل العرب التي كانت قوة مهملة فأعاد إحياء آمالهم وتجميعهم خلفه ليكونوا قوته ومركز ثقله، ثم التفت إلى جيش الحضرة (القسم العسكري المخصص للدفاع عن قرطبة من الجيش الأندلسي) فأعاد إحياءه وتجهيزه ليكون قوته العسكرية، ثم استقدم من المغرب فرقا من الأمازيغ في إطار تفاهمات السياسة لكنه استفاد من وجودهم في تعديل الميزان العسكري المائل لصالح الصقالبة (الحرس الجمهوري) وجيش الثغور (قوات الحدود)، فصار له بهؤلاء شوكة عسكرية، إذ رفعهم من الخمول والنسيان إلى المكانة والأثر وحسَّن أوضاعهم المالية والمعنوية! وبهذه الشوكة العسكرية التي تكونت تحت سمع وبصر الجميع، ودون اعتراض لا من الخليفة ولا من حاجبه المصحفي ولا من الصقالبة، تمكن شأنه في بلاط الحكم وصار مركز قوة جديد، وبها نفسها انتهى من الصقالبة ثم من المصحفيين ثم نافس بها القادة العسكريين الذين توانوا في صد جيوش الجلالقة رجاء تحسين وضعهم في مراتب الدولة، فلما ثبت أنه يمكن الاستغناء عنهم تغير حالهم كي لا يتغير الحال عليهم. ومن قبل هذا وكله كان يعتمد على ثقة الخليفة، وثقة أم ولده صبح البشكنسية، فيثبت نفسه بالإنجازات عند الأول، وبحسن إدارة الأملاك والهدايا عند الثانية.
ودعي له على المنابر بعد الخليفة، كما صكّت النقود باسمه إلى جانب الخليفة بالطبع. أصبح ابن أبي عامر الملك الحقيقي، الأوحد، والمستفرد بالحكم في الأندلس قاطبةً، لكنّه ليس من النسل الأمويّ، ويحتاجُ لشرعيةٍ أخرى يستطيع أن يبرر بها استبداده بالحكم، وماذا غير الجهاد يعطيه هذه الشرعية؟ غزا ابن أبي عامر خمسين غزوة، ويقال أربعاً وخمسين غزوة لم يُهزم في واحدةٍ منها أبداً! المنصور بن أبي عامر | الأوابد | مؤسسة هنداوي. زاده هذا شرعيةً ليس فقط أمام العامّة من الناس، وإنما أمام البيت الأمويّ نفسه، المنكفئ على ذاته، المهزوم من جرّاء تحالف صُبح مع ابن أبي عامر، وأيضاً مع منافسيه في أرجاء الإمبراطورية الواسعة. النهاية غير متوقعة للدولة العامرية بدأ ابن أبي عامر خطته ليكمل نسله من بعده المُلك داخل دولة الخلافة، فهو الآن مؤسس دولةٍ داخل الدولة. حاول أحد أبنائه الانقلاب عليه، فأفشل الانقلاب، وقتل ابنه وأرسل رأسه للخليفةِ الشّاب، وتوطّدت صورة وسلطة ابن أبي عامر أكثر عند منافسيه وحلفائه على السواء. لاحقاً ومع ثبات مُلكه، أعطى لابنه عبدالملك حجابة الخليفة، وأعطى لابنه الآخر عبدالرحمن الوزارة، وعندما توفّي بعدما أصبح ملكاً لمدة عشر سنوات، ورثه ابنه عبدالملك، الذي سار على نهج أبيه في عزل الخليفة وإدارة أمور الدولة كاملةً لوحده، إلى أن توفي بعد سبع سنوات فقط، فورثها من بعده أخوه الذي يبدو أنّه كان أحمق لم يرث من أبيه شيئاً، فقُتل بعد فترةٍ من الانقلابات والتمردات التي قامت ضده، وبعد أن قرر عزل الخليفة تماماً وتسمية نفسه خليفةً بديلاً عنه.
[1] استطاع والده في خلال سنوات معدودة أن يصل إلى أعلى المناصب في الدولة الأموية في الأندلس كما تمكن من إقصاء كل منافسيه على السلطة، وبات الحاكم الفعلي والوحيد للدولة بعد أن حجر على الخليفة الطفل هشام المؤيد بالله ، مؤسسًا لحكم سلالته من العامريين. إسلام ويب - سير أعلام النبلاء - الطبقة الحادية والعشرون - ابن أبي عامر- الجزء رقم16. وتمهيدًا لضمان استمرارية ما وصل إليه الحاجب المنصور، تنازل المنصور عام 381 هـ لابنه عبد الملك عن مناصبه، وهو فتى لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره. [2] وفي عام 386 هـ، انقلب زيري بن عطية المغراوي الزعيم البربري القوي في المغرب على حليفه الحاجب المنصور ، واستطاع هزيمة جيش أرسله المنصور بقيادة الفتى واضح العامري، مما أقلق المنصور وجعله يتحرك بنفسه إلى الجزيرة الخضراء لقيادة الحرب، وأنفذ ابنه عبد الملك بجيش للمغرب مددًا لواضح العامري، واستطاع جيش عبد الملك أن ينتصر على جيش زيري [3] بعد خيانة تعرض لها زيري أدت لإصابته في معركته مع جيش عبد الملك. [4] وفي عام 390 هـ، شارك عبد الملك في معركة صخرة جربيرة التي انتصر فيها جيش المنصور على تحالف من البشكنس والقشتاليين والليونيين بقيادة سانشو غارسيا كونت قشتالة ، وكان عبد الملك يومها قائدًا لقلب الجيش. [1] كما صحب أبيه في غزوته الأخيرة التي مرض وهو في طريق عودته منها.
وكما هي عادة المنصور فإنه لم يكن ليسمح بأن يشاركه أحد في نفوذه وهيمنته، ولذلك قام بتدبير خطة لاغتيال القائد جعفر بن حمدون بعدما لمس تصاعدًا مطردًا في قوته ومكانته. وفي كتابه «معالم تاريخ المغرب والأندلس» يعلق حسين مؤنس على قتل غالب وجعفر بن حمدون، قائلًا: «وبذلك خلا الجو لابن أبي عامر فأصبح بهذه الأساليب الشريرة سيد الأندلس دون منازع، يحكمه بالإرهاب والقوة والعنف والجريمة».
مع إثباته كفاءته وقدرته أعطاه الحكم عدّة مهام أخرى، فتولّى دار السكّة وقضاء إشبيلية لاحقاً، ثمّ توفّّي ابنُ الخليفة وولي عهده: عبدالرحمن، فاستبقاه الخليفة في أعماله، إلى أن رزق طفلًا آخر فأصبح وكيله أيضاً، ثمّ جعله الخليفة قائداً للشرطة الوسطى، ثم قاضياً لقضاة المغرب وغيرها من المناصب التي زادت ابن أبي عامر سلطاناً فوق سلطانه. محمد بن ابي عامر. بداية الصعود الكبير مع مرض الخليفة الحكم، كان ابن أبي عامر يكتسب ثقته بمرور الأيّام، وتوفي الحكم وابنه هشام في سن الثانية عشرة فقط، وبدأت المعارك والصراعات على السلطة. كان ابن أبي عامر في صفّ الخليفة الصغير، لا لشيء إلا لأنّه أستاذه وسيستطيع من خلاله أن يحكم الخلافة كلها، استمال كذلك الحاجب المصحفيّ إلى جانبه، بينما كان على الطرف الآخر عمّ الطفل الصغير هشام، المغيرة بن عبدالرحمن الناصر، وكان يدعمه الفتيان الصقالبة وهم فتيان متنفّذون في القصر ولديهم قوة حرس خاصة للخليفة. استطاع ابن أبي عامر بمناوراتٍ عديدة أن ينفذ خطّته، فاعتلى هشام بن الحكم كرسيّ الخلافة، وقضى ابن أبي عامر بيده على المغيرة ولاحقاً قضى على فتيان الصقالبة بالطبع، وبهذا خلت الساحة له وللمصحفيّ ولحليفهما قائد الجيوش: غالب الناصريّ.