medicalirishcannabis.info
وكذا والآخرة خير لمن اتقى أي المعاصي ؛ وقد مضى القول في هذا في " البقرة " ومتاع الدنيا منفعتها والاستمتاع بلذاتها وسماه قليلا لأنه لا بقاء له. وقال النبي صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح وتركها وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة " مستوفى.
وفيها: وعد لأهل الإيمان المعرضون عن الدنيا بالمقابل. وفيها: تسلية لأهل الحق مما حرموه من الدنيا، وتسلية لمن كانوا في الدنيا في فقر وشدة، وهي تصبرهم على تلك الشدة. وفيها: بيان أن المؤمن والكافر يستويان في أن الدنيا متاع قليل لهما يتمتعان بها؛ فإذا ما صاروا إلى الآخرة؛ كان ما عند الله خير للمؤمنين منهم [9]. وفيها: أن الأمور بالخواتيم. وفيها: أن الدنيا وما عليها ليست دليلاً على فضل من أعطيت له، وسيقت إليه، وفي الحديث: ((إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب)) [10]. وفيها: دليل على أن أقل القليل من الجنة خير من الدنيا، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وقرأ: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185])) [11]. فأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا وإياكم جنته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] فتح الباري (11/232). القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة النساء - الآية 77. [2] أخرجه مسلم رقم: (2858). [3] حديث صحيح بمجموع طرقه، فقد جاء عن: سهل بن سعد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، انظر: الصحيحة (2/305) رقم: (686)، (3/659) رقم: (943).
الدنيا تنطوِي وتنقَضِي وتنتَهِي، ونعيمُ الآخرة أبديٌّ سرمديٌّ. الدنيا متاعٌ قصيرٌ حقيرٌ مصيرُه الزوالُ والفناء، والجنةُ نعيمٌ دائمٌ لا آخرَ له ولا انقِضاء. وعن المُستورِد بن شدَّاد - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " واللهِ ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ، فلينظُر أحدُكم بمَ ترجِع " (أخرجه مسلم). الدنيا كالماء الذي علِقَ بإصبَعِ غامِسِها في البحر الزخَّار، والآخرةُ هي سائرُ البحر الخِضَمِّ الذي طغَت أمواجُه، وعلا هِياجُه. أفلا يعقِلُ حقيقةَ الدنيا من يُقدِّمُ نزْرَها وقليلَها الذي ينفَد على خطيرِ الآخرة وحظِّها الأسعَد؟! عجِبتُ لمُعجَبٍ بنعـيمِ دُنيا *** ومغبونٍ بأيامٍ لِذاذِ ومُؤثِرٍ المُقامَ بأرضِ قَفرٍ *** على بلدٍ خَصيـبٍ ذِي رَذَاذِ ودُنياكَ التي غـرَّتْكَ فيها *** زخارِفُها تصيرُ إلى انجِذاذِ يا عبدَ الله.. يا عبدَ الله! وما الحياة الدنيا الا متاع قليل. هَبْ الدنيا في يدَيك، ومثلُها قد ضُمَّ إليك.. فماذا يبقَى منها عند الموتِ لدَيك؟! ألا يا ساكِنَ البيتِ الـمُوشَّى *** ستسكِنك المنيةُ بطنَ رَمسِي رأيـتُك تذكرُ الدنيا كثيـرًا *** وكثرةُ ذِكرِها للقلبِ تُقسِي كأنَّك لا ترى بالخلقِ نقصٍ *** وأنت تراه كلَّ شُروقِ شمسِي وما أدري وإن أمَّلتُ رُشدًا *** لعلّي حين أُصبحُ لستُ أُمسِي يا عبدَ الله!
يقول جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله = (ما لكم) ، أيّ شيء أمرُكم = (إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله) ، يقول: إذا قال لكم رسولُ الله محمدٌ = (انفروا) ، أي: اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم. * * * وأصل " النفر " ، مفارقة مكان إلى مكان لأمرٍ هاجه على ذلك. ومنه: " نفورًا الدابة ". القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النساء - الآية 77. غير أنه يقال: من النفر إلى الغزو: " نَفَر فلان إلى ثغر كذا ينْفِر نَفْرًا ونَفِيرًا ", وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرِّقون بها بين اختلاف المخبر عنه، (14) وإن اتفقت معاني الخبر. (15) * * * فمعنى الكلام: ما لكم أيها المؤمنون، إذا قيل لكم: اخرجُوا غزاة = " في سبيل الله " ، أي: في جهاد أعداء الله (16) = (اثَّاقلتم إلى الأرض) ، يقول: تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها. * * * وقيل: " اثّاقلتم " لإدغام " التاء " في " الثاء " فأحدثتْ لها ألف. (17) ليُتَوصَّل إلى الكلام بها، لأن " التاء " مدغمة في " الثاء ". ولو أسقطت الألف، وابتدئ بها، لم تكن إلا متحركة, فأحدثت الألف لتقع الحركة بها, كما قال جل ثناؤه: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ، [سورة الأعراف: 38] ، وكما قال الشاعر: (18) تُـولِي الضَّجِـيعَ إذَا مَا اسْتَافَهَا خَصِرًا عَـذْبَ المَـذَاقِ, إذَا مَـا أتَّـابَعَ القُبَـلُ (19) [فهو من " الثقل " ، ومجازه مجاز " افتعلتم "] ، من " التثاقل ".