medicalirishcannabis.info
الهاجس الملح في أعماله تمكن نهج تريش من الولوج إلى عالم بو بطريقة رائعة، واضعاً ولوعه بعلوم الكون على قمة حياته وفكره ومشاعره المضطربة إبان عصر ارتبط بظهور العلم وما نجم عنه من فوضى في التفسيرات المتاحة. وعلى عكس ما هو مطروح عن حياة بو، وارتحالاته من ريشموند، إلى بالتيمور وفيلادلفيا ونيويورك، وصراعاته التي لم تكن تنتهي مع المال و إدمانه الكحول ، وزواجه من ابنة عمه الصغيرة فرجينيا وموتها المأسوي المبكر، يستكشف تريش عديداً من الحلقات المفقودة التي لم يسلط الضوء عليها بعد، بما في ذلك السنوات التي قضاها في الجيش حين تطوع للتجنيد وهو في الثامنة عشرة من عمره. ادغار الن بوابة. وسرعان ما ترقى إلى رتبة مسؤول عن إمداد كتيبته بالذخيرة، وهي وظيفة مرموقة تتطلب حسابات دقيقة ومعرفة بالأرقام. انتهت سنته الأولى في ويست بوينت باحتلاله المركز السابع عشر (من بين87 طالبًا) في الرياضيات، والثالث في اللغة الفرنسية. ولو لم يقطع والده بالتبني إمداده بالمصروفات اللازمة، لكان من الممكن أن يحظى برتبة متميزة في الجيش. النص الذي أحدث سجالاً (امازون) وبينما يميل كُتاب سيرته إلى اعتبار سنواته الأربع في الجيش بمثابة انقطاع عن مسيرته الإبداعية، يجادل تريش بدلاً من ذلك بأن ويست بوينت "شكلت بشكل حاسم كتابات بو، إذ ظل يستثمر معرفته بالرياضيات والهندسة وعلم الفلك، إضافة إلى تقنيات التحليل وإعادة البناء التي اختبرها بدقة في شعره ونثره على حد سواء.
اتسم نقده للكتب بالبراعة والفظاظة، لدرجة أنه كان يسبُ الكاتب والمؤسسة التي أصدرت الكتاب إن لم يُعجبه. أكسبه هذا الأسلوب بعض الشهرة، وأثار عداء وحقد الكثيرين؛ الذين حاولوا الثأر لأنفسهم والنيل منه بعد ذلك. إدغار ألن بو.. الشاعر الملعون | صحيفة الخليج. ورغم أنه اعتبر نفسه شاعراً بالأساس، وكتب القصة من أجل المال، إلا أنه ترك عدداً من المجموعات القصصية الخالدة، ومنها: «سقوط بيت أشر»، و«القلب الواشي»، و«القط الأسود»، و«لغز ماري روجيه»، و«الرسائل المسروقة»، و«قصة في القدس»، و«ليلة شهرزاد الثانية بعد الألف»، و«السقوط في الفوضى»، وغيرها من القصص التي أثرت في أجيال مُتعاقبة من كُتاب قصص الإثارة والتشويق، وما زالت مثار اهتمام قراء هذا النوع من الأدب. ظل إدغار يتنقل من مجلة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، في محاولة للحصول على أجر أفضل، وحاول إصدار مجلة شهرية لكنه لم يجد من يمولها. وفي عام 1845، تغيرت حياته جذرياً بعد نشر قصيدته «الغراب» التي جعلته اسماً كبيراً في الأوساط الأدبية. تحقق الحلم الذي راوده منذ صباه، فأصبح كاتباً شهيراً يحصل على المال من بيع أعماله، ويتسابق الجمهور لحضور مُحاضراته، وشرع في شراء مجلة أدبية. لكن هذا الحلم الجميل انتهى بعد شهور فقط، وضربته اللعنة من جديد، إذ أُصيبت زوجته بالسُل وتدهورت صحتها، وانتشرت شائعات حول علاقته بسيدة متزوجة، ما اضطره إلى الهرب والحياة في كوخ ريفي.
ظل علامة التجديد والابتكار في الأدب الأميركي، ومثالاً على عراك لا يهدأ مع الهواجس والوجود. وصفه البعض بأنه أغرب شخصية في تاريخ أميركا الشعري والأدبي، وستبقى قصائده ترتل آلامه ومعاناته. الملايين في أميركا وبقية العالم قرأوا قصصه القصيرة مثل «جريمة قتل في المشرحة» و«الحشرة الذهبية»، كما أن قصيدته الغراب وأنابيلا لي، وبقية أعماله الأدبية ما زالت تحظى بشهرة وجاذبية بين القراء أينما كانوا. كتب ادكار الن بو - مكتبة نور. عام 2014 أقامت له بلدية مدينة بوسطن، وهي مسقط رأسه، تمثالاً بالحجم الطبيعي، يتوسط تقاطع شارعين في مركز مدينة بوسطن، التمثال يجسد إدغار ألن بو وهو يرحل عن بوسطن (لأنه كان يكره البقاء فيها)، فاتحًا معطفه للريح مثل يده حاملاً حقيبة مفتوحة يطير منها غراب بحجم أكبر من الطبيعي وخلفه يترك كتبه وقلبه مقطوع الشرايين والأوردة، التمثال من تصميم النحات ستيفن روكناك. مدينة بوسطن ليست وحدها التي احتفت وكرمت إدغار ألن بو، فقد أقامت له مدينة ريتشموند، حيث تربى بعد موت والديه، متحفًا افتتح عام 1922، كذلك فعلت مدينة فيلادلفيا، حيث أقام عدة سنوات، متحفًا في البيت الذي سكنه مع زوجته فرجينيا وأمها عمته ماريا كليم. يزور معجبو بو في نيويورك الكوخ الذي قطنه في برونكس، حيث عاش أصعب فترات حياته، وحيث توفيت حبيبته وزوجته فيرجينيا.
وميللنغ نال لتوّه قسطاً وافراً من الشهرة بسبب أدواره حتى الساعة، لكنّ طموحه إلى طراز خاصّ من الشهرة يقترن على نحو محدد بشخصية بو، لن يُقارَن في نظره بأيّ مستوى من التألق ضمن إطار هاري بوتر. ومن عجب أنّ بو هذا هو ذاته الرجل الذي وُجد، يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1849، ملقى على الأرض أمام إحدى حانات مدينة بالتيمور، في حال من الإعياء الشديد والهذيان والتشوّش، يرتدي ثياباً ليست له؛ وفارق الحياة بعد أربعة أيام من الإقامة في المستشفى، من دون أن يستردّ وعيه بما يكفي لكي يوضح ملابسات ما وقع له. ولقد دُفن على عجل، ضمن مراسم مختصرة متقشفة، شارك فيها أقلّ من عشرة أشخاص، وغابت عنها حتى شاهدة القبر. إدغار ألن بو.. الموت من قلة الشعر | الشرق الأوسط. خصمه الشخصي، الناقد الأدبي والمحرّر والناشر روفوس ولموت غريزولد، نشر مرثية حاقدة تماماً، بدأها بالقول إنّ إعلان وفاة بو «سوف تفاجئ الكثيرين، لكنها لن تُحزن إلا قلّة قليلة». وتصفية الحساب هذه لم تكتمل إلا مع إصدار غريزولد سيرة تناولت حياة بو، حفلت بالأكاذيب والأحقاد وتحاشت مناقشة أعمال بو أدبياً ونقدياً، وتقصدت تصويره تحت صفة كاتب «مفزع» و«شرير» و«متهتك» و«سكير».
حين نشر الكاتب الشهير إدغار ألن بو ملحمته في وصف الكون "يوريكا: قصيدة نثر" (Eureka: A Prose Poem) عام 1848، قوبلت بفتور بالغ من النقاد والقراء على حد سواء، ووصفت بأنها سخيفة، حتى من أصدقائه المقربين. ولا يعود السبب إلى احتوائها على بعض الافتراضات العلمية الخاطئة فحسب، بل أيضاً بسبب أسلوبه الساخر في وصف كبار العلماء آنذاك. ادغار الن ا. لكن بو ظل يعتبرها حتى لحظة موته المفجع والمفاجىء، بمثابة تتويج لأعماله، وحري بها أن تحدث ثورة في عالم العلوم الفيزيائية والميتافيزيقية، وهو ما جعله يعتقد بأنه لم يعد راغباً في مزيد من العيش في هذا العالم، مادام لن يكون بمقدوره إنجاز أكثر مما حققه في "يوريكا". فهل فات الجميع عمل ارتآه صاحبه تتويجاً لحياته بأكملها؟ ماذا لو كان هناك وجه آخر للرجل الذي أمتعنا بفيض حكاياته الغامضة والمرعبة على مدار عمره القصير؟ بوابة الولوج الى أعمال بو في كتابه الصادر حديثاً "سبب ظلام الليل: إدغار آلان بو وتلفيق العلوم الأميركية"، يحاول جون تريش، أستاذ تاريخ الأدب والفنون الشعبية في معهد واربورغ في جامعة لندن، رد الاعتبار لعمل آلن بو الأخير الذي أثار استهجان الجميع، من طريق تسليط الضوء على عصر كانت فيه الخطوط الفاصلة بين التكهنات والحقائق العلمية غير واضحة تماماً.