medicalirishcannabis.info
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) وقوله: ( لعلك باخع) أي: مهلك ( نفسك) أي: مما تحرص [ عليهم] وتحزن عليهم ( ألا يكونوا مؤمنين) ، وهذه تسلية من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار ، كما قال تعالى: ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) [ فاطر: 8] ، وقال: ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) [ الكهف: 6]. قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، وعطية ، والضحاك: ( لعلك باخع نفسك) أي: قاتل نفسك. قال الشاعر ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر
[b] و بين بن عاشور في التحرير و التنوير ( لعل) إذا جاءت في ترجي الشيء المخوف سميت إشفاقا وتوقعا. وأظهر الأقوال أن الترجي من قبيل الخبر، وأنه ليس بإنشاء مثل التمني. و الترجي مستعمل في الطلب، والأظهر أنه حث على ترك الأسف من ضلالهم على طريقة تمثيل شأن المتكلم الحاث على الإقلاع بحال من يستقرب حصول هلاك المخاطب إذا استمر على ما هو فيه من الغم. والباخع: القاتل. وحقيقة البخع إعماق الذبح. يقال: بخع الشاة، قال الزمخشري: إذا بلغ بالسكين البخاع بالموحدة المكسورة وهو عرق مستبطن الفقار، كذا قال في «الكشاف» هنا وذكره أيضا في «الفائق». وقد تقدم ما فيه عند قوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم في سورة الكهف. وهو هنا مستعار للموت السريع، والإخبار عنه. ب باخع تشبيه بليغ. وفي باخع ضمير المخاطب هو الفاعل. لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين. الفاعل ل باخع والجملة خبر (لعل). وإسناد باخع إلى ألا يكونوا مؤمنين مجاز عقلي لأن عدم إيمانهم جعل سببا للبخع. وجيء بمضارع الكون للإشارة إلى أنه لا يأسف على عدم إيمانهم ولو استمر ذلك في المستقبل فيكون انتفاؤه فيما مضى أولى بأن لا يؤسف له. وحذف متعلق مؤمنين إما لأن المراد مؤمنين بما جئت به من التوحيد والبعث وتصديق القرآن وتصديق الرسول، وإما لأنه أريد بمؤمنين المعنى اللقبي، أي أن لا يكونوا في عداد الفريق المعروف بالمؤمنين وهم أمة الإسلام.
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) وقوله: ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره: لعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها إن لم يؤمن قومك بك, ويصدقوك على ما جئتهم به والبخْع: هو القتل والإهلاك في كلام العرب; ومنه قول ذي الرُّمة: ألا أيُّهَــذَا البــاخعُ الوَجْـدُ نَفْسَـهُ لشَــيْءٍ نَحَتْـهُ عَـنْ يَدَيْـهِ المَقـادِرُ (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ | مركز الهدى للدراسات الإسلامية. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم, قال: ثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: قال ابن عباس: ( بَاخِعٌ نَفْسَكَ): قاتل نفسك. حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, في قوله: ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قال: لعلك من الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك, قال: ذلك البخع. حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) عليهم حرصا. وأن من قوله: ( أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) في موضع نصب بباخع, كما يقال: زرت عبد الله أن زارني, وهو جزاء; ولو كان الفعل الذي بعد أن مستقبلا لكان وجه الكلام في " أن " الكسر كما يقال; أزور عبد الله إن يزورني.
وهم يطلبون الآيات، ولكن أكثرهم لا يؤمن بهذه الآية: وما كان أكثرهم مؤمنين! وتنتهي مقدمة السورة بالتعقيب الذي يتكرر في السورة بعد استعراض كل آية: وإن ربك لهو العزيز الرحيم.. العزيز القوي القادر على إبداع الآيات، وأخذ المكذبين بالعذاب الرحيم الذي يكشف عن آياته، فيؤمن بها من يهتدي قلبه; ويمهل المكذبين; فلا يعذبهم حتى يأتيهم نذير، وفي آيات الكون غنى ووفرة، ولكن رحمته تقتضي أن يبعث بالرسل للتبصير والتنوير، والتبشير والتحذير.
والحديث: الخبر ، وإطلاق اسم ( الحديث) على القرآن باعتبار أنه إخبار من الله لرسوله ، إذ الحديث هو الكلام الطويل المتضمن أخبارا وقصصا ، سمي الحديث حديثا باعتبار اشتماله على الأمر الحديث ، أي الذي حدث وجد ، أي الأخبار المستجدة التي لا يعلمها المخاطب ، فالحديث ( فعيل) بمعنى ( مفعول) ، وانظر ما يأتي عند قوله تعالى الله نزل أحسن الحديث في سورة الزمر. و " أسفا " مفعول له من باخع نفسك أي قاتلها لأجل شدة الحزن ، والشرط معترض بين المفعولين ، ولا جواب له للاستغناء عن الجواب بما قبل الشرط.
ولكنه - سبحانه - لم يشأ أن يجعل مع هذه الرسالة الأخيرة آية قاهرة، لقد جعل آيتها القرآن، منهاج حياة كاملة، معجزا في كل ناحية: معجزا في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني، باستقامته على خصائص واحدة، في مستوى واحد، لا يختلف ولا يتفاوت، ولا تتخلف خصائصه; كما هي الحال في أعمال البشر، إذ يبدو الارتفاع والانخفاض والقوة والضعف في عمل الفرد الواحد، المتغير الحالات، بينما تستقيم خصائص هذا القرآن التعبيرية على نسق واحد، ومستوى واحد، ثابت لا يتخلف، يدل على مصدره الذي لا تختلف عليه الأحوال. معجزا في بنائه الفكري، وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته وتشريعاته تلتقي وتتناسق وتتكامل; وتحيط بالحياة البشرية، وتستوعبها، وتلبيها وتدفعها، دون أن تتعارض جزئية واحدة من ذلك المنهاج الشامل الضخم مع جزئية أخرى; ودون أن تصطدم واحدة منها بالفطرة الإنسانية أو تقصر عن تلبيتها، وكلها مشدودة إلى محور واحد، وإلى عروة واحدة، في اتساق لا يمكن أن تفطن [ ص: 2585] إليه خبرة الإنسان المحدودة، ولا بد أن تكون هناك خبرة مطلقة، غير مقيدة بقيود الزمان والمكان، هي التي أحاطت به هذه الإحاطة، ونظمته هذا التنظيم.