medicalirishcannabis.info
إنّ من تدبّر يوم صومه في رمضان يجد أثره على سخاء نفسه وسماحة قلبه، ويجد تأثيره في مشاعره الخيّرة، وبسبب حرمان النفس من طيبات الحياة وملذات المعيشة وأهواء النفس يتذكّر الإنسان كثيراً من أوجه الخير التي كان مقصّراً فيها؛ كصلة الأرحام، والصدقة، وطلب العلم، فهذا الحرمان المادي من الطعام والشراب والمتع المباحة يرشد إلى معانٍ عميقةٍ، إذ إنّ "المحسوس يدلّ على المعقول". أثر رمضان على سلوك الفرد وقيم المجتمع - مناصحة. وأهمّ القيم التي يغرسها الصيام في نفس المسلم قيمة الإخلاص والشعور بالمراقبة ، ولذا قال العلماء: إنّ الصيام لا يدخله الرياء. و الورع والتقوى من الغايات التي فرض الصوم من أجل تحقيقها، ومن لم يتحلَّ بهما فلا فائدة ولا أجر من وراء صيامه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لمْ يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعَملَ بِهِ، فَليسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنِ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرَابَهُ". والطفل الصغير الذي يُدرّب على الصوم لا بدّ أن يُعلّم قيمة المراقبة، وأنّها من أهداف وغايات الصيام العظيمة، ونشأة الطفل على مراقبة الله عزّ وجلّ لها آثارها وثمارها الطيبة فيما بعد في نفسه وفي مجتمعه. إنّ الإخلاص يولّد في المرء رقابةً ذاتيةً على أفعاله، فيؤثّر في سلوك الفرد ما لا يؤثّر فيه من خلال الأنظمة والقوانين التي يمكن أن يتحايل عليها، هذه الرقابة الذاتية تعود بالنفع الحقيقي على المجتمع كلّه، والنظام العام.
الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، فصَّل وبيَّن وأوضح الصراط المستقيم، ونصب عليه براهين وحججاً، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، جعل من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وضع برسالته آصاراً وأغلالاً، ورفع مشقة وحرجاً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، أعدل الأنام طريقة، وأقومهم منهجاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله وعظموا أمره وحرماته، والزموا الإخلاص في الطاعة، وتمسكوا بطريق أهل السنة والجماعة ، وحافظوا على الجمع والجماعة، تفوزوا بأربح بضاعة، وإن امرأً تنقضي بالجهالة ساعاته، وتذهب بالتقصير أوقاته، لخليقٌ أن تجري دموعه وحقيقٌ أن يقل في الدجى هجوعه. أيها المسلمون: جرت سنة الله عز وجل في خلقه أن لا يقوم لهم معاش ولا تستقيم لهم الحياة إلا بالاجتماع والتآلف، والإسلام وهو دين الفطرة أرشد إلى التعارف من أجل التآلف: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله بن الحكم قَالَ: ثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، ثَنَا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن أبي كثير، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رجل: «يَا رَسُول الله، أَي الْهِجْرَة أفضل. قَالَ: أَن تهجر مَا كره الله، وَالْهجْرَة هجرتان: هِجْرَة الْحَاضِر البادي، فَأَما البادي فَإِنَّهُ يُطِيع إِذا أَمر، ويجيب إِذا دعِي، وَأما الْحَاضِر أعظمهما بلية، وأفضلهما أجرا». أَبُو كثير اسْمه زُهَيْر بن الْأَقْمَر.. بَاب فِي التقي الْخَفي: مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، ثَنَا بكير بن مِسْمَار، حَدثنِي عَامر بن سعد قَالَ: «كَانَ سعد بن أبي وَقاص فِي إبِله فَجَاءَهُ ابْنه عمر فَلَمَّا رَآهُ سعد، قَالَ: أعوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا الرَّاكِب. فَنزل فَقَالَ لَهُ: أنزلت فِي إبلك وغنمك وَتركت النَّاس يتنازعون الْملك بَينهم؟ فَضرب سعد فِي صَدره فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إِن الله يحب العَبْد التقي الْغَنِيّ الْخَفي».. بَاب حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى: التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، ثَنَا وَكِيع، عَن جَعْفَر بن برْقَان، عَن يزِيد بن الْأَصَم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن الله يَقُول: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي، وَأَنا مَعَه، إِذا دَعَاني».
إن نزعة التعرف إلى الناس، والاختلاط بهم، نزعة أصيلة في التوجيهات الإسلامية بالعيش مع الجماعة والانتظام وحسن العلاقة؛ فتستقر النفوس، وتصح العلوم، وتنتشر المعارف، وتبلغ المدينة الفاضلة أشدها، فيعبد الله على بصيرة، وتتضح معالم الدين، ويسود المعروف ويقل المنكر. إن إيثار الإسلام للاجتماع يظهر في كثيرٍ من أحكامه وآدابه، وإن العبادات -وهي من أشرف المطلوبات- ليست انقطاعاً في بيت أو تعبداً في صومعة، فلماذا شرعت الجماعات في الصلوات؟ ولمن فرضت الجمعات؟ وما الحكمة في العيدين والاستسقاء والكسوف والجنائز؟ ثم إجابة الدعوات في الولائم والمناسبات، والاجتماع في أوقات السرور والمباهج، وفي أوقات الشدائد والمكاره، وفي الأعياد والتعازي، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، إن ذلك كله لا يتحقق على وجهه إن لم تتوثق في الأمة العلاقات، وتحفظ حقوق الأخوة والجماعة. إن أهل الإسلام إذا كثر عددهم، واجتمع شملهم، كان أمرهم أزكى وعملهم أتقى، جاء في الحديث: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلما كثر كان أحب إلى الله) أخرجه ابن ماجة و ابن حبان وغيرهما، وصححه غير واحدٍ من أهل العلم.