medicalirishcannabis.info
كذلك أظهر هذا الحدث فراسة وحكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اختيار الكفاءات من أصحابه، فكان يختار لكل مهمة من يناسبها، فيختار للقيادة من يجمع بين سداد الرأي وحسن التصرف والشجاعة كخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ، ويختار للدعوة والتعليم من يجمع بين غزارة العلم وحسن الخلق والمهارة في اجتذاب الناس كمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ، ويختار للوفادة على الملوك والأمراء من يجمع بين حسن المظهر وفصاحة اللسان وسرعة البديهة كعبد الله بن حذافة ـ رضي الله عنه ـ، وفي الأعمال الفدائية يختار من يجمع بين الشجاعة الفائقة وقوة القلب والمقدرة على التحكم في المشاعر. ولقد كان عبد الله بن أنيس الجهني قوي القلب ثابت الجنان، راسخ اليقين، عظيم الإيمان، ذا قدم راسخة في الفقه في دين الله، فهو من الرعيل الأول من الأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة، ومن ثم لم ينس وهو في هذه المهمة الصعبة صلاة العصر، فصلاها في وقتها إيماء برأسه، حرصا ومحافظة على صلاته، وحفاظا على سرية مهمته التي جاء من أجلها.. وبجانب هذه الصفات العظيمة التي أهلته لهذه المهمة فهناك سبب آخر حيث كان يمتاز بمعرفة مواطن تلك القبائل لمجاورتها ديار قومه جهينة.
مهمة حربية خطيرة!!! عبدالله بن أنيس رضي الله عنه أحد رجال المهمات الصعبة عند النبي صلى الله عليه وسلم. والمهمة التي قام بها عبدالله بن أنيس مهمة بالغة الصعوبة وشبه مستحيلة ، لا تستطيع حتى أقوى الجيوش في العصر الحديث القيام بمثلها إلا بتكاليف كبيرة ودراسات علمية صائبة للعملية وجُهد استخباراتي طويل ودقيق ، وكتيبة من الجنود المُدربين تدريباً عالياً مع توفير الطعام وكل وسائل النقل لهم من طائرات وطوافات وأجهزة وأسلحة متقدمة!!! فكيف استطاع رجل واحد من رجال النبي محمد صلى الله عليه القيام بها بمفرده؟؟؟ فبعد خسارة المسلمين في أحد طمع الكثير من الأعراب في المسلمين وظن بعض عتاة المشركين أن المسلمين في المدينة أصبحوا لقمة سائغة يمكن التهامها بسهولة!!! سرية عبد الله بن أنيس - ويكيبيديا. وعَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي ، وهو أحد زعماء الأعراب وشياطينهم ، أخذ يجمع الجموع من الأعراب والأحابيش حول مكة ليباغت النبي عليه الصلاة والسلام بالهجوم عليه في المدينة وأنه قد أظهر العدواة للنبي صلى الله عليه وسلم بهجائه وشتمه وتوعد بقتله. والإنتظار حتى يهاجم هذا الأعرابي المدينة قد يكلف المسلمين خسائر ثقيلة ودماء غزيرة ، وخير وسائل الدفاع وأنجعها هو تدمير خطط هذا الأعرابي في مهدها.
مقتل خالد بن سفيان الهذلي ذكره الحافظ البيهقي في (الدلائل) تلو مقتل أبي رافع. قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه قال: دعاني رسول الله ﷺ فقال: «إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فائته فاقتله». قال: قلت: يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه. قال: «إذا رأيته وجدت له قشعريرة». قال: فخرجت متوشحا سيفي حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلا، وحين كان وقت العصر، فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله ﷺ من القشعريرة، فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي للركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك لذلك. قال: أجل أنا في ذلك. قال: فمشيت معه شيئا، حتى إذا أمكنني حملت عليه السيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله ﷺ فرآني قال: «أفلح الوجه». من هو قاتل خالد بن سفيان الهذلي - إسألنا. قال: قلت: قتلته يا رسول الله. قال: «صدقت». قال: ثم قام معي رسول الله ﷺ فدخل في بيته، فأعطاني عصا فقال: «أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أنيس».
قال: فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه(نساءه) منكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآني قال: أفلح الوجه، قلت: قد قتلته يا رسول الله، قال: صدقت. ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصاً فقال: أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس ، قال: فخرجت بها على الناس فقالوا: ما هذه العصا؟، قلت: أعطانيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمرني أن أمسكها عندي، قالوا: أفلا ترجع إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتسأله لم ذلك؟، قال: فرجعت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟، قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المتخصرون يومئذ. قال: فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه، فلم تزل معه حتى مات، ثم أمر بها فضمت في كفنه ثم دفنا جميعا) ( أحمد). المتخصرون: هم الذين يصلون بالليل، فإذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصِرهم، وقيل: من لهم أعمال صالحة يتكئون عليها يوم القيامة كما يتكئ الإنسان على عصاه.
وهكذا استطاع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحكمته ودقة تفكيره، وحسن تدبيره في حدث واحد، أن يبث الرعب في قلوب الأعداء، ويفوت عليهم الفرصة، ويأخذ بزمام المبادرة، وأن يلفت أنظارهم إلى قوة المسلمين، ويحفظ للدولة الإسلامية هيبتها..