medicalirishcannabis.info
عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) وسبب نزول هذه الآيات الكريمات، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلى الله عليه ويتعلم منه. وجاءه رجل من الأغنياء، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق، فمال صلى الله عليه وسلم [وأصغى] إلى الغني، وصد عن الأعمى الفقير، رجاء لهداية ذلك الغني، وطمعا في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف، فقال: { عَبَسَ} [أي:] في وجهه { وَتَوَلَّى} في بدنه،
وذلك كله حفظ من الله لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول، ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا، ولهذا قال تعالى: { قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} لنعمة الله وما أشد معاندته للحق بعدما تبين، وهو ما هو؟ هو من أضعف الأشياء، خلقه الله من ماء مهين، ثم قدر خلقه، وسواه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة. { ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أي: يسر له الأسباب الدينية والدنيوية، وهداه السبيل، [وبينه] وامتحنه بالأمر والنهي، { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي: أكرمه بالدفن، ولم يجعله كسائر الحيوانات التي تكون جيفها على وجه الأرض، { ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} أي: بعثه بعد موته للجزاء، فالله هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه بهذه التصاريف، لم يشاركه فيه مشارك، وهو -مع هذا- لا يقوم بما أمره الله، ولم يقض ما فرضه عليه، بل لا يزال مقصرا تحت الطلب. ثم أرشده تعالى إلى النظر والتفكر في طعامه، وكيف وصل إليه بعدما تكررت عليه طبقات عديدة، ويسره له فقال: { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا} أي: أنزلنا المطر على الأرض بكثرة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ( 33) فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصم من هولها الأسماع, - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ( 34) يوم يفر المرء لهول ذلك اليوم من أخيه, - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ( 35) وأمه وأبيه, - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ( 36) وزوجه وبنيه. - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ( 37) لكل واحد منهم يومئذ أمر يمنعه من الانشغال بغيره. - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ( 38) وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة؟ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ( 39) مسرورة فرحة, - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ( 40) ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودة, - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ( 41) تغشاها ذلة.
ظهر التغير والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم, وأعرض لأجل أن الأعمى عبد الله بن أم مكتوم جاءه مسترشدا, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة كبار قريش إلى الإسلام. وأي شيء يجعلك عالما بحقيقة أمره؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه يتطهر, أو يحصل له المزيد من الاعتبار والازدجار. أما من استغنى عن هديك, فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه, وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟ وأما من كان حريصا على لقائك, وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد, فأنت عنه تتشاغل ليس الأمر كما فعلت يا محمد, إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ فمن شاء ذكر الله وأتم بوحيه. سورة النازعات - تفسير السعدي - طريق الإسلام. هذا الوحي, وهو القرآن في صحف معظمة, موقرة, عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص, بأيدي ملائكة كتبة, سفراء بين الله وخلقه, كرام الخلق, أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة. لعن الإنسان الكافر وعذب, ما أشد كفره بربه!! ألم ير من أي شيء خلقه الله أول مرة؟ خلقه الله من ماء قليل- وهو المني- فقدره أطوارا, ثم بين له طريق الخير والشر, ثم أماته فجعل له مكانا يقبر فيه, ثم إذا شاء سبحانه أحياه, وبعثه بعد موته للحساب والجزاء. ليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل, فلم يهد ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟ إنا صببنا الماء على الأرض صبا, ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى, فأنبتنا فيها حبا, وعنبا وعلفا للدواب, وزيتونا ونخلا, وحدائق عظيمة الأشجار, وثمارا وكلأ, تنعمون بها أنتم وأنعامكم.
{ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ} للنبات { شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} أصنافا مصنفة من أنواع الأطعمة اللذيذة، والأقوات الشهية { حبًّا} وهذا شامل لسائر الحبوب على اختلاف أصنافها، { وَعِنَبًا وَقَضْبًا} وهو القت، { وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا} وخص هذه الأربعة لكثرة فوائدها ومنافعها. { وَحَدَائِقَ غُلْبًا} أي: بساتين فيها الأشجار الكثيرة الملتفة، { وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} الفاكهة: ما يتفكه فيه الإنسان، من تين وعنب وخوخ ورمان، وغير ذلك. والأب: ما تأكله البهائم والأنعام، ولهذا قال: { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} التي خلقها الله وسخرها لكم، فمن نظر في هذه النعم أوجب له ذلك شكر ربه، وبذل الجهد في الإنابة إليه، والإقبال على طاعته، والتصديق بأخباره. { 33 - 42} { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي: إذا جاءت صيحة القيامة، التي تصخ لهولها الأسماع، وتنزعج لها الأفئدة يومئذ، مما يرى الناس من الأهوال وشدة الحاجة لسالف الأعمال.
السؤال الثاني: أنه تعالى لما عاتبه على مجرد أنه عبس في وجهه ، كان تعظيما عظيما من الله سبحانه لابن أم مكتوم ، وإذا كان كذلك فكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكره باسم الأعمى مع أن ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضي تحقير شأنه جدا ؟.
فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه:" لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة" وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.