medicalirishcannabis.info
وثمّة سببٌ آخر لا يقلّ أهمّية عن سابقه ، وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان حريصاً على وحدة الصف الداخلي ، خصوصاً في المراحل الأولى من قدومه إلى المدينة ، في وقتٍ كانت بذرة الإسلام في نفوس الأنصار لا تزال غضّةً طريّة ، فاختار النبي – صلى الله عليه وسلم – أسلوب المداراة والصبر على أذى ابن سلول لتظهر حقيقة الرجل من خلال تصرّفاته ومواقفه ، وقد أثمر هذا الأسلوب بالفعل ، حيث وجد ابن سلول العتاب والبغض في كلّ موقفٍ من مواقفه ، وكان ذلك على يد من كانوا يرغبون في تتويجه ملكاً عليهم في السابق ، فنبذه أهله وأقرب الناس إليه. ولا أدلّ على ذلك من موقف ولده عبدالله بن عبدالله بن أبي رضي الله عنه ، والذي كان من خيرة الصحابة ، وقد قال يوماً للنبي – صلى الله عليه وسلم -: " يا رسول الله ، والذي أكرمك ، لئن شئت لأتيتك برأسه " ، فقال له: ( لا ، ولكن برّ أباك وأحسن صحبته) رواه البزار. وتدور عجلة الأيام ، والمسلمون في معاناتهم من أذى النفاق ومكائده ، حتى حانت اللحظات الأخيرة من حياة ابن سلول ، ففي أواخر شهر شعبان يسقط على فراشه ويقاسي آلام المرض وشدّة الموت ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لا يكفّ عن زيارته والسؤال عن حاله بالرغم من عداوته له.
وكلما زاد طمعه في السلطة في قرارة نفسه لم يمنعه ذلك من إشهار إسلامه ومحاولة إلحاق الضرر بالإسلام من داخله. لدرجة أنه فكر حتى في قتل الرسول عليه السلام. إذ بعدما فشل في أن يتبوأ السلطة في المدينة أرسل له علية القوم في قريش خطابًا يتعهدون فيه بأنهم سيقدمون له يد العون في أن يصبح زعيماً إذا ما قتل سيدنا محمد. بيد أنه لم يتجرأ على فعل ذلك حيث كانت الأكثرية في المدينة من المسلمين. حسنًا، لماذا وكيف أصبح إنسان يعادي الرسول والإسلام إلى هذه الدرجة مسلمًا؟ عندما انتصر المسلمون في غزوة بدر، فطن بن سلول إلى أنه لن يستطيع أن يصبح زعيماً للمدينة، وما لبث أن اعتنق الإسلام بعدما فكر في أنه لن يستطيع أن يبقى مشركًا في المدينة. إلا أنه لم يكفَّ عن حياكة المؤامرات وإشاعة الأخبار الكاذبة والخاطئة وإفساد ذات البين والعمل على تفريق المسلمين. وكان يهود المدينة من المتواطئين مع بن سلول. وأقدَم اليهود الذين لم يستسيغوا انتصار المسلمين في غزوة بدر على بعض الأمور المتطرفة. عبدالله بن ابي بن سلول المنافق. إلا أنهم رضخوا لحكم النبي في نهاية المطاف. وهنا يخرج أمامنا بن سلول، والذي كذب على الرسول بعدما قال له إن قبيلة الخزرج المعروفة قديمًا بقربها لليهود اتفقت مع اليهود في هذا الموضوع.
وافترى هذا الرجل الذي يسبقه الكذب ذاته على هذه السيدة الفاضلة التي عاشت تحت سقف واحد مع الرسول منذ سن مبكرة والتي تُعد أكثر مَنْ روى الأحاديث عنه والتي تعلمنا منها الكثير من المعلومات بخصوص المرأة والتي كان الأدب والحياء سمتها في قيامها وقعودها. هذه الافتراءات كانت ثقيلة للغاية بعدما جعل السيدة عائشة رضي الله عنها تعيش أيامًا عصيبة جدًّا. وكانت الواقعة على النحو الآتي: ارتحلت قافلة كانت تضم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبينما وقفوا للاستراحة في مكان بالقرب من المدينة بدأت السيدة عائشة تبحث عن قلادتها بعدما أدركت أنها سقطت منها وتخلفت عن القافلة. ولما ضلت طريقها للقافلة بدأت في الانتظار على أمل أن يعودوا إليها. وبعد فترة رآها صفوان بن المعطل (رضي الله عنه) -الذي كانت مهمته سياقة العسكر يلتقط مايسقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به- نائمة تحت ظل شجرة. ثم أيقظها بشكل ملائم وأركبها ناقته ولحقا بالقافلة. وبمجرد أن رأى بن سلول هذا الموقف شن افتراءات كاذبة لا أساس لها من الصحة عن صفوان بن المعطل والسيدة عائشة. وبينما كانت تسير السيدة عائشة في طريقها ذات يوم علمت بهذا الحادث المؤلم وهذه الافتراءات التي تُقال بحقها التي لم تكن تعلم بها منذ فترة طويلة.