medicalirishcannabis.info
إنه يرى في التزام الموظفين الشديد بهذه الطريقة بالعمل نوعاً من العبودية، ويرى أن حياتهم اقتصرت على العمل، وأن كل ما يفعلونه عند عودتهم من العمل هو التحضير ليوم العمل التالي. في أفكاره تلك يحاكي عزيز "كافكا" وأفكاره حول هذه النقطة في روايته الشهيرة "الانمساخ" وفي غيرها، بل إنه حتى يستلهم اسم بطل القصص التي يؤلفها أثناء اضطراره لحضور الاجتماعات من روايات "كافكا"، فيسميه "المدعو ك". يترافق نفوره من العمل مع مظاهر جسدية مرضية كالشعور بالغثيان والإعياء وفقدان الشهية وإحساس دائم بالتعب المزمن، وحين تتفاقم أموره ويضطر إلى زيارة المشفى وإجراء التحاليل الطبية يتبيّن له أنه مصابٌ بالسرطان. الحالة الحرجة للمدعو كام. بطل الرواية سيستخدم مرضه بالسرطان لينال من كل شيء وليعيش بحرية مطلقة... "الحالة الحرجة للمدعو ك": مذكرات للألم الذهني وما يحركه في الإنسان من أفكار وذكريات وما يوفره من حرية يسجل "المدعو ك" في الفقرات التي يكتبها والتي يرتبها بحسب الأسابيع، ما يطرأ عليه من تغيرات أسبوعاً وراء أسبوع، يراقب ما يحدث حوله بسخرية حادة، ويستعيد أحداث من الماضي بتحليل جديد ثاقب، راصداً علاقته مع والده المتوفي، ومع عائلته الصغيرة المكونة من أمه وأخته وأخيه، وعلاقته مع الجد الصارم الذي يشبّهه بأبي الهول لشدة جموده وقسوته.
تاريخ طويل من الصراعات الدموية على الكراسي الذهبية، ليست هذه إلا نماذج لها، لكنها نماذج من الصعب أن تتكرر في زمننا هذا، خاصة عندما نتحدث عن مجتمعات تدّعي أنها ذات أنظمة ديمقراطية حديثة. لذلك يستغرب الكثيرون ما يحدث هذه الأيام في الولايات المتحدة، ويعتقدون أنه حالة خاصة. ربما يكون وجه الشبه الوحيد بين رواية الكاتب السعودي عزيز محمد، والرواية التي يكتبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الأيام، هو الحالة الحرجة التي يمر بها بطلا الروايتين، ويبقى كل ما عدا ذلك مختلفاً، وإن كان مثيراً يستحق المتابعة. الحالة الحرجة للمدعو كاف. البيان هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز
يذكر البطل في يومياته الجميع، مديره، زميله العجوز على المكتب المجاور، الجنود المجهولة في العمل، وقت الراحة المحسوب بالثانية، وأي تصرف مكتبي "لكن يجب الحذر من أن تُسمع ضربات أصابعك على الكيبورد أكثر من اللازم، فأنت لا تدري كيف لهذا إذا لوحظ أن يُحسب ضدك"، كما يكتب البطل في يومياته. بطل الرواية يقظ أكثر من اللازم، وكتمانه لا يسمح ليقظته أن تجد طريقها في الحوار مع أحد حول ملاحظاته، فكان يكتب بانتظام، بدأ بتدريبات كتابية على كل ما يلاحظه، كان ذلك هو ملاذه الآمن الذي تهدده تدخلات العائلة بتلبية نداءات الواجبات الاجتماعية مثل الزيارات العائلية وأحاديثها التي لا يجيدها، والتي يقول "لطالما شعرت بأني أخون ذاتي خلالها". مازوشية! كان بطل الرواية يفتقد لتجربة حقيقية في حياته، كان يطالع التجارب في روايات ديستوفيسكي وكافكا وراسكولينكوف.. وإلى آخر قائمة مفضليه، كان يطالع بها الحياة، يعيش مرّات، توحد مع الورق فزاده عزلة، وشوقا لأن تكون له تجربته الخاصة، وما كان يدري أن شوقه سيأتي بوخز "الكيماوي" لجسده، وهو يقضي ساعات تحت رحمته بعد تشخيص إصابته بسرطان الدم. الحالة الحرجة للمدعو كوم. تشرع أزمة مرضه أبواباً من التأمل لدى البطل، وهو المتيم بالتأمل بطبيعته، عن نفسه وعن محيطه وعن ذكرياته، فتفيض ضوءا على علاقته بأمه، وجده، وعمله، وذكرى والده، تضاعفها لمزيد من التساؤلات.
اقرأ/ي أيضًا: كيف جئتُ إلى الرواية؟ هزيمتنا في الرواية المصرية
بوابة روايات بوابة أدب بوابة كتب بوابة ثقافة هذه بذرة مقالة عن الأدب بحاجة للتوسيع. فضلًا شارك في تحريرها. ع ن ت